تأثير التدخين على الصحة النفسية موضوع مهم جدًا لابد من توضيح الكثير من أبعاده، فالتدخين في المجتمعات العربية يعد من العادات الغير صحية، ولا أحد ينظر للأمر على أنه نوع من أنواع الإدمان فالكثير يظن أنه يستطيع الإقلاع عن التدخين وقتما يشاء، وهنا نكون أمام واحد من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار التدخين بين الأشخاص حول العالم، إلى جانب خطورة هذه العادة على الصحة الجسدية هناك ما يعرف بأضرار وتأثير التدخين على الصحة النفسية.
التدخين ظاهرة مجتمعية شائعة بين فئات عمرية مختلفة ما بين الرجال، فضلًا عن تفشي هذه الظاهرة ما بين النساء، والدراسات العلمية والطبية أشارت إلى حجم الأضرار النفسية الناتجة عن هذا السلوك، بالإضافة إلى الأضرار الجسدية التي يعلمها الغالبية من المدخنين، ولكن تأثير التدخين على الصحة النفسية من النقاط الحديثة، والتي يغفل عن وجودها الكثير من المدخنين لذا سنقوم بتسليط الضوء على هذا الموضوع تفصيلًا تابع.
تأثير التدخين على الصحة النفسية
تأثير التدخين على الصحة النفسية أحد الموضوعات التي شغلت الوسط العام بمجال الطب النفسي، فالتدخين شاع بين الناس على أنه عادة غير صحية ضارة تسبب العديد من الأضرار الجسدية، ولكن على الجانب الآخر الصحة النفسية تتأثر كثيرًا بالتدخين، كما يحدث مع حالات الإدمان على المخدرات، وذلك باعتبار أن التدخين أحد أشكال الإدمان الجسدي.
المدخن يواجه صعوبة في الإقلاع عن التدخين بسبب الأعراض الانسحابية، والتي تعد دليل واضح على حقيقة أن التدخين أحد أنواع الإدمان الأكثر شيوعًا حول العالم، لذا يحتاج المدمن إلى المساعدة الطبية عند محاولة الإقلاع عن التدخين.
بالحديث عن تأثير التدخين على الصحة النفسية قد أشارت بعض التقارير السريرية إلى أن معدل انتشار التدخين بين الأشخاص الذين يعانون من حالة صحية عقلية أعلى بكثير من غير المدخنين، كما تظهر أحدث بيانات الصحة العامة في إنجلترا أن 40.5% من البالغين يعانون من أمراض عقلية خطيرة (SMI) بسبب الدخان.
بالإضافة إلى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نشرت في سياق تأثير التدخين على الصحة النفسية في عام 2009 أن معدل انتشار التدخين بين الأشخاص الذين يعانون من أي حالة نفسية يقدر بحوالي 36.1% مقارنة بـ 21.4% بين الأشخاص الذين لا يعانون من حالة صحية نفسية وعقلية، وذلك ما صدر عن بيانات المسح الوطني حول تعاطي المخدرات والصحة ما بين عام 2009 إلى 2011 ميلاديًا.
أيضًا هناك أدلة طبية تشير إلى أن انتشار التدخين بين مرضى الاضطرابات النفسية يزيد من حدة الاضطراب، وتفاقم الأعراض الجانبية مما يقلل من سرعة استجابة المريض إلى العلاج، كما أن حالات الصحة النفسية المضطربة هم الأكثر تدخين للسجائر، وبالتالي ترتفع لديهم مستويات الاعتماد على مادة النيكوتين، ويكونون أكثر عرضة لخطر الضرر المرتبط بالتدخين.
تجربتي مع التدخين
بالحديث عن تأثير التدخين على الصحة النفسية سأسرد عليكم تجربتي مع التدخين، والتي بدأت في سن المراهقة كما يحدث مع الغالبية من طلاب المدارس والجامعات، حيث أن تدخين السجائر يعد من المشاكل الأكثر شيوعًا بين المراهقين والشباب، وبالفعل كنت أحد هؤلاء الذين وقعوا في فخ التدخين، وكنت أجهل ما ينتظرني من آلام وأوجاع ومشاكل نفسية وجسدية.
مشكلتي مع التدخين لم تقتصر فقط على الأضرار الجسدية مثل الالتهابات الرئوية، وأمراض الجهاز التنفسي بل كان سبب في إصابتي بالاكتئاب الحاد تحت طائلة تأثير التدخين على الصحة النفسية، ولكنني أجهل هذه الحقيقة كما هو حال الغالبية العظمى من المدخنين.
تدهورت حالتي النفسية كثيرًا بسبب التدخين إلا أنني بدأت في التفكير بالانتحار، ولم يعد تدخين السجائر قادر على التخفيف من التوتر والقلق بل كان يزيد من تدهور، وسوء حالتي النفسية على عكس الشائع أن تدخين السجائر يساعد على تخفيف القلق والتوتر، وساءت حالتي النفسية بشكل كبير نتيجة الإصابة بالاكتئاب.
تواصلت مع طبيب نفسي بمركز CHOOSE لعلاج الإدمان والطب النفسي، وتحدث معي عن تأثير التدخين على الصحة النفسية، وأن الاعتياد على مادة النيكوتين أحد أسباب الإصابة بالاكتئاب وتدهور الصحة النفسية، فنصحني بالإقلاع عن التدخين باستخدام البروتوكول العلاجي المتخصص، ومن ثم البدء في الاستراتيجية النفسية للقضاء على الاكتئاب بسبب تدخين السجائر بمساعدة الفريق الطبي المتخصص.
التدخين والاكتئاب
الحديث عن تأثير التدخين على الصحة النفسية يحتم علينا أن نوضح العلاقة ما بين التدخين والاكتئاب، حيث نشرت مجموعة من الدراسات والتقارير الطبية التي تثبت أن البالغين الذين يعانون من الاكتئاب هم أكثر عرضة للتدخين مرتين مقارنة بالبالغين الذين لا يعانون من الاكتئاب، حيث يبدأ مريض الاكتئاب في التدخين قبل ظهور علامات الاكتئاب، ولكن من المثبت علميًا أن تدخين السجائر يؤدي إلى الاكتئاب، وهذا ما يوضح تأثير التدخين على الصحة النفسية.
على الجانب الآخر المرضى النفسيين الذين يعانون من الاكتئاب يتجهون إلى التدخين، وذلك لأن اضطراب الحالة النفسية يشجع على التدخين، ومن هنا ظهرت العلاقة المعقدة ما بين الاكتئاب والتدخين، والتي كانت سبب في ارتفاع حصيلة عدد المنتحرين بسبب تدخين السجائر.
الحقيقة أن تدخين النيكوتين يعزز من إطلاق الدماغ للمادة الكيميائية الدوبامين، والتي تشارك في إثارة المشاعر الإيجابية والإحساس بالسعادة والطاقة والاسترخاء، الذي يكون منخفض لدى المصابين بالاكتئاب، وبالتالي يلجأون إلى استخدام السجائر كوسيلة لمد الجسم بكميات من الدوبامين بشكل مؤقت.
والجدير بالذكر أن التدخين لفترات طويلة يعمل على إيقاف آلية صنع الدوبامين، وبالتالي ينخفض تأثير النيكوتين على منح الشعور بالسعادة، ومن هنا يندفع الناس إلى التدخين بمعدلات أكبر، ويدخل الإنسان في دائرة من الصراعات والاضطرابات بسبب تأثير التدخين على الصحة النفسية.
موضوعات ذات صلة: علاج الاكتئاب والقلق بأسرع وقت
التدخين والتوتر
أحد الدلائل العلمية على حقيقة تأثير التدخين على الصحة العقلية هي العلاقة ما بين التدخين والتوتر، المعلومة الخاطئة الأكثر شيوعًا بين الكثير من البشر حول العالم هو أن تدخين السجائر أحد طرق التخلص من التوتر، والبعض أطلق عليها العلاج الذاتي لتخفيف مشاعر القلق والتوتر، وهذا الأمر أدى إلى ارتفاع عدد المدخنين من الرجال والنساء حول العالم.
الكثير من الأبحاث العلمية أظهرت أن التدخين في حقيقة الأمر يزيد من مستويات الشعور بالقلق والتوتر، وذلك عكس الشائع على أرض الواقع وبين أوساط المدخنين حول العالم، فلا يمكن الاعتماد على السجائر كعلاج لحل مشكلة التوتر والقلق النفسي، بل يكون الإنسان في حاجة إلى العلاج النفسي المتخصص.
يمكن شرح علاقة التدخين بالتوتر بالحديث عن حالة الاسترخاء والهدوء والنشوة التي يخلقها تدخين النيكوتين، ومن هنا يعتقد الكثير أن التدخين يساعد على تقليل القلق والتوتر، ولكن هذا الشعور مؤقت وسرعان ما يتبدل بأعراض سلبية، ومن أبرزها القلق وسوء الحالة المزاجية.
بالإضافة إلى ذلك تأثير التدخين على الصحة النفسية يزداد خطورة مع إفساح المجال للأعراض الانسحابية، والتي تظهر مع حالة التوقف المفاجئ عن التدخين، ومن أشهر هذه الأعراض هو الشعور بالقلق والتوتر الذي يدفع الإنسان إلى التدخين، وذلك لاعتقاده بأنه يخفف من التوتر، وبمرور الوقت تبدأ الحالة الصحية والنفسية في التدهور بشكل كبير قد يدفع البعض أحيانًا إلى الانتحار.
التدخين والفصام
أحد أهم الشواهد على تأثير التدخين على الصحة النفسية هي العلاقة ما بين التدخين الفصام، أشارت دراسات إلى أن معدلات التدخين بين الأشخاص المصابين بالفصام أعلى بكثير من غير المدخنين، والتحليل التلوي للدراسات من 20 دولة أشار إلى أن متوسط انتشار قدره 62%.
التقارير الطبية أكدت على أن النيكوتين يساعد على المدى القريب في تحسين الانتباه والذاكرة، كما أنه يعزز من نشاط نظام المكافأة تحت القشرية وقشرة الفص الجبهي المعطل لدى المصابين بالفصام، ونتيجة لذلك يظهر المدخنين حاجة إلى جرعات عالية من النيكوتين، هنا يزداد وضوح تأثير التدخين على الصحة النفسية.
بالإضافة إلى ذلك أكد بعض الأطباء على ضرورة تناول المدخن دواء كلوزابين (دواء مضاد للذهان يستخدم لعلاج الفصام)، والذي يتم تناوله بنسبة 25% خلال الأسبوع الأول بعد الإقلاع عن التدخين.
أيضًا تأثير التدخين على الصحة النفسية يمكن تفسيره من خلال الدراسات العلمية التي أشارت إلى إمكانية إصابة المدخنين بالفصام، على الجانب الآخر أظهرت الدراسات أن التوقف عن التدخين لن يؤدي إلى تفاقم أعراض الفصام، وبعض الأدلة تشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الفصام قد يعانون من أعراض انسحاب أكثر شدة خلال الأسبوع الأول من محاولة الإقلاع عن التدخين مقارنة بغيرهم.
لذا وجدت مراجعة طبية تكشف عن مساعدة مرضى الفصام في الإقلاع عن التدخين، وذلك من خلال مجموعة من الأدوية والتي من أبرزها الفارينكلين أو البوبروبيون، إلى جانب استخدام بدائل العلاج السلوكي لإدمان النيكوتين ويكون أكثر فاعلية لهؤلاء المدخنين.
تعرف على ما هو الفصام
التدخين واضطراب ثنائي القطب
دعونا نتحدث عن العلاقة ما بين التدخين وثنائي القطب في إطار حديثنا عن تأثير التدخين على الصحة النفسية، اضطراب ثنائي القطب كان يعرق سابقًا بالاكتئاب الهوسي أو اضطراب ذو اتجاهين، ويعرف بإحداث تغييرات واضحة في الحالة المزاجية للشخص وطاقته، وعلى الرغم من عدم وجود إثبات قوي على العلاقة بين التدخين والاضطراب ثنائي القطب إلا أن معدلات انتشار التدخين بين الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب أعلى بكثير مقارنة بالآخرين.
إحدى الدراسات الطبية أوجدت أن المرضى الذين عولجوا من اضطراب ثنائي القطب كانوا أكثر عرضة لبداية مبكرة للتدخين، لذا أصبح هناك ربط كبير ما بين التدخين والإصابة باضطراب ثنائي القطب.
نهاية الحديث عن تأثير التدخين على الصحة النفسية:
تأثير التدخين على الصحة النفسية من النقاط الهامة التي تحدثنا عنها تفصيلًا لمقال اليوم، حيث قمنا بالإشارة إلى طبيعة العلاقة ما بين التدخين والإصابة بمجموعة مختلفة من التدخين، مثل الاكتئاب والفصام والتوتر والقلق وثنائي القطب وغيرها، لذا يحذر الأطباء من أضرار التدخين على الصحة النفسية على المدى البعيد، ولصعوبة أعراض انسحاب النيكوتين من الجسم نوصي بالتواصل مع مركز سحب سموم متخصص، ومرخص للإقلاع عن التدخين والوقاية من الاضطرابات النفسية والعقلية.