ضجيج العالم يزداد يومًا بعد يوم ومعه تتعظم الحاجة إلى العزلة، فمواكبة الأحداث الجارية والسريعة يتطلب وقت خاص بالشخص بعيدًا عن العالم، ولكن هناك أشخاص يميلون للعزلة أكثر من غيرهم مما يجعلنا نتسأل العزلة عن الناس هل مرض نفسي أم نضج فكري، ولماذا تتفاوت قدرات الأشخاص في الاختلاط بالمجتمع، ولمعرفة الإجابة على هذه التساؤلات تابعونا من خلال مركز اختيار للطب النفسي وعلاج الإدمان.
العزلة عن الناس هل مرض نفسي أم نضج فكري؟
العزلة عن الناس لا يمكن وضعها في قالب واحد ككونها مرض نفسي أو نضج فكري في كل الحالات، وأنما يختلف تقيمها وتصنيفها حسب سبب العزلة والهدف من ورائها كالتالي:
العزلة كمرض نفسي
العزلة ليست مرضًا نفسيًا بل يمكن أن تكون أحد أعراض بعض الأمراض النفسية مثل اضطراب القلق والتوتر أو الاكتئاب وغيرهما، وفي هذه الحالة تؤثر العزلة على الفرد بشكل سلبي وتكون ناتجة من الخوف من التفاعل مع البيئة المحيطة، وقد تسبب فقدان الشخص لقدرته على ممارسة حياته بشكل طبيعي.
العزلة كنضج فكري
تنبع العزلة في كثير من الأحيان من أغلب الأشخاص بهدف التركيز على ما هو مهم في حياتهم بعيدًا عن تأثير التوتر والعلاقات الاجتماعية التي يمكن أن تشكل ضغطًا خلال اتخاذ القرارات، كما أن العزلة مهم للغاية في الإبداع والإنتاج بصورة فعالة.
العزلة كسمة شخصية
يختار بعض الناس العزلة ويفضلونها حتى بدون أسباب تدعي لها، ولكنهم يجدون فيها الراحة والسكينة، ولا يمكن وصف هذه السمة بالعيب ولكنها فروق فردية في كيفية التعايش في المجتمع.
العزلة للهروب من الواقع
يلجأ بعض الناس للعزلة بهدف الهروب من الواقع والضغوطات، وذلك بسبب زيادة الضغط عليهم في حالة وجود ناس حولهم، وتنتهي هذه العزلة بمجرد اختفاء الضغوطات.
وفي النهاية لا يمكننا الجزم بأن العزلة عن الناس هروب من الواقع أم نضج فكري أم غير ذلك، ويرجع السبب لاختلاف تأثيرات العزلة على الأشخاص ما بين تأثيرات ايجابية وأخرى سلبية.
حب العزلة والصمت في علم النفس
ترتبط العزلة مع حب الصمت في علم النفس وذلك لأنه يفسر أن العزلة ناتجة عن نضج عقلي ورغبة في الإبداع، كما أنها تدل في علم النفس على القدرة على الإنصات وعدم التسرع في اتخاد الأحكام.
علم النفس لا يجد مشكلة في حب العزلة ويعتبرها سمة طبيعية ناتجة عن التنشئة أو الاختيار الشخصي وذلك لأن الانفتاح على المجتمع ليست صفة أساسية لاستمرار الحياة في كل الأحوال.
أسباب الميل إلى العزلة
تتعدد أسباب الميل العزلة عند الناس باختلاف شخصياتهم والتجارب التي مروا بها، ومن أبرز أسباب العزلة ما يلي:
- قلة الثقة بالنفس فالميل إلى الانطواء والوحدة قد يكون نابع من انعدام الثقة في النفس في وجود الكثير من الناس حوله.
- التنشئة في وحدة منذ الصغر وخاصة إذا كان أحد الأبوين يتمتع بصفة العزلة والهدوء.
- الاهتمام الزائد بمواقع التواصل الاجتماعي والذي قد يصل إلى إدمانها، مما يدفع الأشخاص إلى العزلة والبعد عن الأحاديث الحية مع الأسرة، ويحدث هذا الأمر بصورة أكبر في سن المراهقة.
- الإصابة ببعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب أو القلق والتوتر أو حتى الوسواس القهري يمكن أن يكون السبب وراء تفضيل العزلة.
- اضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن يدفع بعض الناس إلى العزلة بسبب المعاناة من مشكلة معينة غير متوقعة، وتكون هذه العزلة على الأغلب مؤقتة.
- المشاكل الأسرية وانفصال الأب والأم يمكن أن يتسبب في تفضيل الأطفال للعزلة كمحاولة للتخلص من المشاعر السلبية والضغوطات.
- كون الشخص حساس للغاية يجعله يتجه إلى العزلة نظرًا لشعوره بالأذي من أبسط الأفعال، مما يجعله يظن أن الانعزال هو الحل الأمثل.
- الرهاب الاجتماعي والشعور بالقلق من التواجد في التجمعات مما يجعل الشخص يشعر بالانزعاج من أي مناسبة اجتماعية.
فوائد العزلة عن الناس
يمكن أن يرى بعض الناس أن العزلة أمر سىء إلا أن هناك منافع كثيرة لا تتحقق سوى بالعزلة عن الناس، وفيما يلي نقدم لكم أبرز فوائد العزلة عن الناس:
- تساعد العزلة في تعزيز الأفكار الإبداعية.
- القدرة على التركيز وحل المشكلات الحياتية وابتكار حلول جديدة وفعالة.
- تحسين الحالة الصحية من خلال زيادة جودة النوم ومدته مما يساعد الفرد على التركيز بشكل أفضل.
- تحسين الجهاز المناعي مما يقلل فرص الإصابة ببعض الأمراض مثل السكر وأمراض القلب.
- تقليل القلق والتوتر عند الأفراد وتحسين الحالة المزاجية.
- تساعد العزلة في تطوير الشخصية من خلال معرفة الشخص لذاته عن قرب مما يساعد في تحديد نقاط القوة والضعف.
- تتيح العزلة الوقت الكافي لاكتشاف المهارات وتطويرها بعيدًا عن أحكام المجتمع.
- تحسين الإنتاج وجودته وذلك لأن العمل بعيدًا عن الضجيج والتشتت يضمن إنتاج أفضل.
- ومن المثير للتعجب هو أن العزلة تساعد في تحسين العلاقات الاجتماعية ومعرفة قيمتها ومدى عمقها.
موضوعات ذات صلة
صفات الشخص الذي يحب الوحدة
هناك بعض الأشخاص الذين يفضلون الوحدة والعزلة وتعتبر بالنسبة لهم اختيار وليس إجبار، ويتمتع هؤلاء الناس ببعض الصفات كالتالي:
- التمتع بالهدوء والوحدة عكس أغلب الناس التي تشعر بالوحشة والملل.
- الإبداع، فغالبًا ما يحتاج الفنانين والمبدعين لمساحة خاصة لإبراز فنهم حتى أن الأشخاص العاديين يخرجون الإبداع من خلال العزلة.
- غالبا ما يكون الأفراد المحبين للعزلة يتمتعوا بقدر عالً من المسؤولية والاستقلالية وعدم طلب المساعدة.
- التركيز على التفاصيل الدقيقة وملاحظتها.
- التأمل في النفس وما حولها.
أبرز أضرار الانعزال عن الناس
على الرغم من أن العزلة عن الناس لها فوائد كثيرة إلا أنها يمكن أن تكون مضرة وخطرة في بعض الأحيان على الجانب النفسي والصحي والاجتماعي حتى أنها قد تصل إلى التأثير على الصحة العقلية، ومن أبرز هذه الأضرار:
- تدني الشعور باحترام الذات وتقديرها وخاصة إذا كانت العزلة ناتجة عن رفض اجتماعي من مجموعة ما.
- الإصابة ببعض الأمراض النفسية مثل الرهاب الاجتماعي أو الاكتئاب.
- صعوبة تكوين دوائر اجتماعية صحية.
- ضعف القدرات الإدراكية مثل التركيز والتذكر.
- زيادة فرصة الإصابة بالأمراض بسبب نقص المناعة.
- فقدان مهارات التواصل مع الآخرين مما يقف عائقًا خلال التطور العملي في بيئة العمل.
- زيادة فرصة الإصابة بالسمنة وأمراض العقل.
- تشير الدراسات إلى أن معدلات الخرف تزداد وتظهر باكرًا عند الأشخاص المنعزلين.
هل العزلة تسبب مرض نفسي؟
لا يمكن الجزم بشكل قاطع ما إذا كانت العزلة دليل على الإصابة بمرض نفسي مثل الاكتئاب أو اضطراب القلق أو حتى الرهاب الاجتماعي الذي تظهر أعراضه في صورة انعزال أو أن هذه العزلة ناتجة عن وعي الشخص بالمجتمع حوله ورغبته في الانعزال ومواجهة مشاكله، ويمكن التفريق بين الحالتين عن طريق عدة عوامل كالتالي:
- مدة الانعزال: كما ذكرنا سابقًا أن العزلة لها العديد من الفوائد ولكن طول المدة يمكن ان يؤثر بالسلب على الفرد.
- الحالة النفسية والصحية للشخص، حيث أن الأشخاص المصابين بالأمراض النفسية والجسدية يكونوا أكثر عرضة للآثار السلبية للعزلة من غيرها.
- السبب وراء الانعزال وهو المحرك الرئيسي للشخص والدافع لرغبته في الانعزال.
- طبيعة الشخص، فإذا كان الشخص احتماعيًا وأصبح يميل للعزلة فجأة فهذا دليل على حدوث اضطراب أو مرض نفسي مصاحب للعزلة.
العزلة عن الناس مرض نفسي أم نضج فكري هو سؤال يحتاج إلى كثير من التفصيل حسب الدوافع للعزلة كما أوضحنا واجبنا في هذا المقال.